الإسراء والمعراج: معجزة النبوة

الإسراء والمعراج: رحلة النور واليقين

تُعدُّ حادثة الإسراء والمعراج من أعظم المعجزات التي خصَّ الله بها نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فهي واقعة فريدة تجلّت فيها مظاهر القدرة الإلهية، وتحوّلت إلى أحد أهم الأحداث العقدية التي ترسّخ في قلب المؤمن الثقة المطلقة بالله تعالى، وتُجسد ارتباط الأرض بالسماء، والوحي بالنبوة، والرسالة بالعقيدة. إنها حادثة تتجاوز حدود الزمن والمكان، وتجمع بين عالم الشهادة وعالم الغيب في توازن إعجازي يفوق الإدراك البشري. وقد وقعت هذه الرحلة في مرحلة عصيبة من حياة الرسول، فكانت بمثابة تكريم وتعويض وتسليَة، ومنحة إلهية بعد محنة إنسانية.

الخلفية التاريخية لحادثة الإسراء والمعراج

قبل وقوع الإسراء والمعراج، مرَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأحداث قاسية، أبرزها وفاة زوجه خديجة رضي الله عنها التي كانت سندًا روحيًا وعاطفيًا له، ووفاة عمه أبي طالب الذي كان المدافع عنه في وجه قريش. كما واجه الرفض الشديد من أهل الطائف الذين ردّوا دعوته بالأذى والسخرية. في هذه الظروف القاسية، أراد الله سبحانه أن يخفف عن نبيه الكريم، فاختصه برحلة سماوية عظيمة فيها من الآيات ما يُثبت قلبه ويقوّي عزيمته، ويُبيّن مكانته عند الله تعالى.

معنى الإسراء والمعراج

• الإسراء: هو الرحلة الأرضية الليلية التي انتقل فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، على ظهر دابة تُسمى “البراق”.

• المعراج: هو الصعود السماوي الذي عُرج فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماوات العُلا، حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة، وتلقى فيها من ربه ما لم يُبلّغ لأحد من خلقه.

وقد ورد ذكر الإسراء في القرآن الكريم في مطلع سورة الإسراء:

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1]

أما المعراج، فقد أشارت إليه سورة النجم:

﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ﴾ [النجم: 13-16]

تفاصيل الرحلة والمعجزات الكبرى

أولاً: رحلة الإسراء

بدأت الرحلة العظيمة في مكة، حين جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشق صدره، وغسل قلبه بماء زمزم، وملأه حكمة وإيمانًا. ثم ركبه البراق، وهي دابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل، كانت تضع حافرها عند منتهى طرفها، وسارت به إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف.

في المسجد الأقصى، جمع الله له الأنبياء فصلى بهم إمامًا، وهي دلالة على قيادته للرسالات السماوية، وربط بين الرسالة الإسلامية وخاتمية النبوة. وقد كان هذا المشهد إيذانًا بوحدة الدين وتكامل النبوات.

ثانيًا: رحلة المعراج

من المسجد الأقصى، عُرج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل إلى السماوات العلى، حيث استُقبِل في كل سماء بنبيّ من أنبياء الله:

• في السماء الأولى: آدم عليه السلام.

• في الثانية: عيسى ويحيى عليهما السلام.

• في الثالثة: يوسف عليه السلام.

• في الرابعة: إدريس عليه السلام.

• في الخامسة: هارون عليه السلام.

• في السادسة: موسى عليه السلام.

• في السابعة: إبراهيم عليه السلام.

كل نبي رحّب به ودعا له، وكان اللقاء في السماء مع هؤلاء الرموز الكبرى من تاريخ الوحي تجسيدًا للتسلسل الإيماني الممتد منذ آدم وحتى محمد.

ثم بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى، حيث رأى جبريل على هيئته الحقيقية، وسمع صريف الأقلام التي تكتب في اللوح المحفوظ، وهناك فُرضت عليه وعلى أمته الصلاة.

فرض الصلاة: أعظم ما جُلب في المعراج

في تلك اللحظة، فرض الله على نبيه الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة، فلما عاد نازلًا مرّ بموسى عليه السلام الذي سأله عما فرض الله عليه، فأخبره، فنصحه بأن يراجع ربه للتخفيف، فظل النبي صاعدًا ونازلًا بين موسى وربه حتى خُففت إلى خمس صلوات تُعدّ بخمسين من حيث الأجر.

هذا الحدث يُظهِر عظمة الصلاة ومكانتها في الإسلام، كونها الفريضة الوحيدة التي فُرضت في السماء بلا واسطة، وتُعدّ صلة مباشرة بين العبد وربه.

الآيات التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم

خلال الرحلة، أُري النبي صلى الله عليه وسلم مشاهد عظيمة من عذاب أهل المعاصي وثواب أهل الطاعة، منها:

• رأى قومًا تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، وهم خطباء الفتنة.

• رأى الزناة يأكلون لحمًا خبيثًا نتنًا.

• رأى الذين يأكلون الربا يسبحون في نهر من دم.

• رأى الجنة وما فيها من نعيم، والنار وما فيها من عذاب.

هذه المشاهد كانت تعزيزًا للغيب الذي يُبشّر به ويُنذر، وترسيخًا لحقائق يوم القيامة في قلب النبي وأمته من بعده.

دلالات الإسراء والمعراج العقدية

• إثبات النبوة: فهذه الرحلة فوق قوانين الطبيعة، ولا يُمكن أن تقع إلا بتأييد رباني.

• مكانة القدس: المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وُضع في الأرض، وجُعل قبلة أولى للمسلمين، وهو محور ارتباط الأنبياء.

• مكانة الرسول: إذ جعله الله إمام الأنبياء في الصلاة، ورفعه إلى مقام لم يبلغه بشر.

• الصلاة: فرضت في هذا المقام العظيم، مما يدل على عمقها الروحي ومكانتها في الإسلام.

أثر الرحلة في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم

عندما أخبر النبي قومه بما حدث، استنكر الكفار الأمر، واعتبروه ضربًا من الخيال، لكن أبا بكر رضي الله عنه صدّقه على الفور، فلقب بـ “الصديق”، وبهذا الموقف تميز المؤمن عن المكذب. كما كانت هذه الحادثة فارقة في تاريخ الإسلام، إذ أظهرت ثبات النبي وثقة أصحابه.

الأبعاد الزمنية والروحية للرحلة

لا تقتصر رحلة الإسراء والمعراج على كونها معجزة تاريخية، بل هي مصدر غني للتأمل الروحي والتزكية النفسية، لأنها تذكّرنا بأهمية التعلق بالله، والتسليم لأقداره، والثقة بنصره، مهما اشتدت المحن. كما أنها تُحيي في القلوب شعور الانتماء إلى الرسالة المحمدية الممتدة من مكة إلى القدس، ومن الأرض إلى السماء.

جدول يوضّح أهم مراحل الرحلة ووقائعها

الخلاصة

قصة الإسراء والمعراج ليست مجرد حادثة تاريخية، بل هي تجربة إيمانية متكاملة، تتجلى فيها عظمة الله، ومكانة نبيه، وعظمة الرسالة الإسلامية. إنها تُعلّمنا أن بعد كل عسر يُسر، وأن الله لا يترك عباده في الشدائد، وأن القلوب إذا امتلأت باليقين، فلا حدود لما يُمكن أن تُدركه من النور والطمأنينة.

المصادر:

• تفسير ابن كثير

• صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فُرضت الصلاة